عُزلَة
تمضي عليّ الساعات منسيّةً في الهدوء
جسدي مركون على السرير كأن لا روحَ له يحتويها .
بشفاهٍ مغلقة و عيونٍ مفتوحة أطوف العالم من مكانٍ واحد . .
أعتزل حاضري ، فتسرِقني حياة ماضية ،
و أصوات قديمة ، وجوهٌ عتيقة ، و ابتسامات اغبرّت . .
من بينِ ذلك كلّه لا أشرَق إلا بصوتِ واحد !
صوتٌ واحد يقصِف الذاكرة ، ليتهاوى العقل
و يُردى في مهاوي الجنون . .
صوتٌ واحد يعصر القلب على صفاةِ اللا جدوى . .
صوتٌ واحد يحيطني بهذهِ الهالة السوداء من العزلَة !
هو صوتك ،
صوتُك الذي حاولت أن أنسجَ منه النور لليالِي المعتمة ،
أشعله سراجًا في دروب الوحشة . .
صوتك الذي تمنيته وسادةً ، فستانًا ، عقدًا من اللؤلؤ . .
ظلّ مجرد " صوت " !
صوتٌ يخترق جدارَ الوعي حتى يستقر في الصميم .
كل الكلماتِ العذبَة التي عبرت حنجرتك
رأيتُها تباع مطليّةً بالذهب . .
كَـ " أحبك " ، كَـ اسمي أيضًا . .
لكنني لا أدري كيف اعتقدوا أنّ بإمكانهم بيع سحرِ بيانك ؟
حتى و إن باعوه !
صوتُك لا يُباع ، و لا يشترى .
صوتك يعرفُني جيدًّا ، يعرف الطريق المختصر إلى قلبي ،
و يهزُّ جذع الروح لتساقط عليه حبًّا نديّا . .
صوتك الغائب لا يعلم أنه الفُقاعة التي تدور فيها حياةُ فتاةٍ ذابت فيك حتى آخرها !
منهكةٌ جرّاء غيابك . .
ألوذ بعزلتي بعدما أرهَقت عيُون الناس ملامحي ،
أرهِقتُ لكثرة ما جثم فضولهم يتفحَّص وجهي بالتساؤلات الغبية . .
ملاحظاتهُم الفظّة بشأن وزني الذي يتبخّر
خلال أيام ، و لا يتكثّف خلالَ سنوات !
يدركُون أنني مسكُونةٌ بشخصٍ ما ،
بوجهٍ ما ، بصوتٍ لم يهتدُوا إليه .
لذا أهرب بِشجاعةٍ نحو العزلَة !
و أقول " بشجاعة " لأنني أعلم ما الذي ينتظِرني في وحدتي . .
ينطلِق صوتك من الفراغ كرصاصَة ،
حتى تصعد الروح من أطرافِي إلى الحلقوم !
تضيقُ الحياة بي ، و يرفُضني الموت . .
لا يسعني أي شَيء !
لا الفرار ، لا المقاومَة ، لا البُكاء و لا حتى التنفس .
الآن أدركت ،
الحياةُ هي التي اعتَزلتني .
اضافة تعليق